معركة الداخلة

مع تزايد النهج الاستعماري الأوروبي ف القرن التاسع عشر، وتوجه الدول الأوروبية نحو تقسيم وتوزيع النفوذ باحتلال دول من إفريقيا وآسيا، سعت إسبانيا للدخول للقارة السمراء عبر بوابات السواحل. من هنا بدات محاولاتها الجادة لاحتلال الصحراء تحت غطاء تجاري استكشافي من خلال تأسيس الشركة الإسبانية الأفريقية.

كان لوادي الذهب موقع استراتيجي خاص فقلب اهتمامهم، حيت قربو من جزر الكناري وغنى سواحله بالثروة السمكية وكونو بوابة نحو إفريقيا، الشيء اللي حفز الشركة لقيام بخطوات على الأرض، بحال إنشاء جسر عائم في خليج وادي الذهب وبناء أكواخ في منطقتي الداخلة ورأس بوجدور، ثم بعث ملتمس لمجلس النواب الإسباني “الكورتس” يدعوهم لانتهاج سياسة استعمارية أكثر ديناميكية في إفريقيا. على إثره صدر مرسوم ملكي إسباني يضع كل الشاطئ الواقع بين الرأس الأبيض وبوجدور تحت مسؤولية وزارة ما وراء البحار في مدريد.

في الثالث من نوفمبر 1884، أوفدت الشركة مبعوثها الإسباني Emilio Bonelli باش يقيم بشبه جزيرة الداخلة نواة مركز تجاري، ويربط علاقات تجارية مع قبائل المنطقة، وزودتو الحكومة الإسبانية بسفينة حربية لحماية مركزه. وف نفس العام، أعلنت الحكومة الإسبانية حمايتها لمنطقة وادي الذهب وراسلت الحكومات الأوروبية في ذلك.

ولكن رد السكان المحليين كان سريع. في التاسع من مارس 1885، هاجمت جماعة من المقاومين من أولاد الدليم والعروسيين وأولاد تيدرارين المركز الإسباني. شاركهم في ذلك مجموعة من مريدي الشيخ ماءالعينين من بينهم العتيق بن محمد فاضل والحضرمي بن الشيخ أحمد وأحمد بن اعلي المصطفوي، ونجحو المجاهدين في قتل بعض الجنود الإسبان وأسر بعضهم والاستيلاء على البضائع التجارية.

فوقعة الداخلة عام 1303 هجرية، حضرها الطالب أخيار بن مامينا في ترجمته للعتيق بن محمد فاضل نقلاً عن الشيخ النعمة، حيث كانو من الأبطال المشاركين.

الكاتب والمؤرخ الإسباني “فيغيراس” لخص الحادثة بقوله “في صبيحة يوم 9 مارس 1885، هاجم سكان محليون من أولاد بعمر الحصن في طور البناء، فقتلوا العديد، وأسروا العديد، ودمروا أوراش البناء، واستولوا على البضائع اللي كانت في الباخرة “انيس inis” وأحرقوا البنايات الخشبية اللي كانت مقامة على الأرض”.

نفس المعركة ذكرت باختصار في كتاب “راموس فيلا سينيور” بعنوان “من الصحراء الإسبانية: وادي الذهب” حيث قال “ما إن غادرت الباخرة الحربية ceres الموقع (شبه جزيرة الداخلة)، حتى قامت مجموعة من أولاد دليم بالتجمع أمام الوكالة، ولما أصبح عددهم كافياً، هاجموا الإسبان الوديعين ودمروا البنايات ونهبوا المخازن”.

الشيخ ماءالعينين نفسه أشار لهاذ المعركة في رسالة إلى ابنه الشيخ اشبيهنا، وتحدث عنها الشيخ مربيه ربه والشيخ النعمة والعلامة ماءالعينين بن العتيق.

الشيخ النعمة بن الشيخ ماءالعينين قال في معركة الداخلة: “النصارى، إسبنيول، خرجوا وبنوا بموضع معروف في الصحارى بإزاء البحر يقال له الداخلة، مرسى وصارت ضعفة العقول من المسلمين يتصارفون معهم. فأرادوا أن يخرجوا على البر غيرها عنوة، بغير إذن من السلطان مولاي الحسن. فلما بلغ الخبر لشيخنا- أطال الله حياته-، أخذ اثنين من أبناء أخواته وهما: العتيق والحضرمي بن الشيخ أحمد، ومواريد معهما. من مشاهيرهم أحمد بن علي الشيخ المصطفوي، وأرسلهم لقبائل الساحل من أبناء الدليم والعروسيين وغيرهم، أنهم لا يتركونهم يخرجون على البلاد بإذن وعهد من السلطان”.

ثم يكمل الشيخ النعمة الرواية متحدثاً عن مفاوضات صلح جرت بين القوم والنصارى، واشترط فيها عودة الإسبان ورجوعهم إلا بإذن من السلطان، غير أنها باءت بالفشل، لما لمس المقاومون الغدر والخديعة من الإسبان حسب الرواية، “فجرى بينهم ما حاصله أنهم اقتتلوا معهم وهزموهم، وغنموا- ولله الحمد- منهم غنائم كثيرة وقتلوا أشخاصا، ولم يمت منهم أحد -أي المسلمين- ودخل النصارى البحر منهزمين ولله الحمد”.

وفي هذه الواقعة قال الفقيه محمد سالم بن أبوه اليعقوبي:

سل الروم عنه يوم ولت حماتها    أيادي سبا من بين صرعى ومكلم

تظل بنات الجو تسحب قصبها      وترغم منها كل أنف مرغم

فذلك مضروب بسيف مهند   وذا ينضح العفراء بالفرث والدم

وفرت حماة الكفر كرها وغادروا كرائم مال الكافر المتنعم

فأصبحت  الأموال تقسم بيننا    تباع وتشترى في يدي كل مسلم

لم يحضر رئيس البعثة الإسبانية إيميلو بونيلي المعركة، ليتحدث عنها دون إسهاب بعد ذلك، مستخلصا منها دروسا ثمينة، استوعبها جيدا وتجلت في جميع الدراسات والمحاضرات اللي نشرها وألقاها بعد ذلك.

كانت هذه المعركة سببا في تأليف الشيخ ماءالعينين لكتابه “هداية  من حارا في أمر النصارى”، حيث أشار إلى ما فعله بعض المسلمين من قتال النصارى اللي خرجوا في ثغر الداخلة، مجيبا على من شكك في شرعية جهادهم.